التفسير العلمي للآيات الكونية

عند الشيخ الإمام إبراهيم بن عمر بيوض

من خلال تفسيره في رحاب القرآن

(1316هـ/1899م- 1400هـ/1980م)

إنّ القرآن الكريم قد ضمّ حديثا عن العلوم في قوالب وحقائق كلية، مكتفيا بإيراد شارات موجزة واضحة دقيقة تقبل غالبا أكثر من تفسير. أمّا العلم فهو مجموعة معارف متجدّدة ومتطوّرة على حسب الدّرس والتّجربة والاكتشاف، ورغم ذلك التّجديد في العلم  بقى القرآن الكريم محافظًا على أصوله العلمية التي يصدّقها العلم في كلّ عصر، وذلك سرّ إعجاز القرآن وخلوده. ممّا صار العلم على الدّوام خادما للآيات العلمية الكونية يفسّرها كلّ عصر بتفسير تتّسع له الدلالة اللغوية ألفاظه، ويتقبّلها الفكر والعقل دون أن يكون هناك تعارض أو تناقض، ولا يعني هذا القول أنّ القرآن الكريم كتاب علم الفلك أو الطبّ أو الجغرافية، فالوحي نفسه يقرّ بأنّ القرآن الكريم غايته ابتداء أنهّ يهدي للتي هي أقوم، ولكن الوقوف على المعاني العلمية للآيات الكونية تفسيرا وتحليلا وعرضا لما تتضمنه من حكم وإرشادات من الحقائق العلمية إنمّا تزيد للهداية وضوحا وبيانا، وتزيد للنفّس تمسكا إن كانت مؤمنة، وإقبالا إن كانت منكرة، مصداقا لقوله تعالى ﵟإِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا ٩ﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵙﵜ  إلا أنّ رأي علمائنا الأجلاء تباين بجلاء في مسألة توظيف المعارف العلمية في تفسير الآيات الكونية؛ فمنهم من أيدّ الموقف وسانده بالدّعوة إليه؛ تارة بالتّنظير، وتارة بالتّطبيق، لما رأوا فيه من تطوّرٍ في منهج الدّعوة إلى الله، ومسايرة للنضج الفكري. ويقابل هذا الموقف ما ذهب إليه بعض الأعلام الذين تحفّظوا كثيرا من هذا النوع من التّفسير لما رأوا فيه من دعوة إلى إخراج القرآن عن الهدف الذي من أجله أنزل، بل إقحامه في مجال متروك للعقل البشري يجرّب فيه؛ فيصيب ويخطئ وبين الموقفين يعلو صوت الموقف الثالث ليجمع بين الرأيين ويرى أنّ التفسير العلمي إذا انطلق من أصول وقواعد مضبوطة كان مقبولا، بل يصبح من ضروريات العصر الحديث.

ومن بين التّفاسير المعاصرة التي وظّفت المعارف العلمية الحديثة تفسير »في رحاب القرآن «للعلامة الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض، حيث أصّل لهذه القضية بقواعد وأسس جديرة بأن تدرس ويطلع عليها. ومع حداثة هذا التّفسير لم نر أيدي الدّارسين امتدت إليه إلا قليلا، فكان دافعا أساسيا لمجاراة الباحثين في استخراج التراث الإسلامي بالدّراسة والتّنقيب حتى يستفاد منه في وقت تيسّرت فيه كل أسباب الوصول إلى العلم وتتبّع حركته وتطوّره، ومن جهة أخرى لا يخفى على أحد أنّ البشرية اليوم قد جعلت العلم طريقا أولا لمعرفة الحق. وقد صغنا بعون الله تعالى وتوفيقه عنوان البحث بما يأتي:"التفسير العلمي للآيات الكونية عند الشيخ بيوض من خلال تفسيره في رحاب القرآن".

المؤلف

اسم الكاتب